الإرهاب عبر التاريخ- أداة للهيمنة والسيطرة السياسية والاقتصادية

المؤلف: أسامة يماني08.20.2025
الإرهاب عبر التاريخ- أداة للهيمنة والسيطرة السياسية والاقتصادية

تأريخ الإرهاب موغلٌ في القدم، ضاربٌ بجذوره في أعماق التاريخ الإنساني. لقد عرفت منطقتنا العربية، في غياهب القرن العاشر، بزوغ نجم جماعة الحشاشين، وهي منظمة إرهابية ذاع صيتها في أرجاء العالم الإسلامي، وتميزت ببلوغها أعلى مستويات التنظيم والتحكم. اتخذ زعيمها، حسن الصباح، من قلعة "الموت" الحصينة في إيران مركزاً لانطلاق عملياتها، وبثت هذه الجماعة الرعب والفزع في قلوب الحكام والقادة العسكريين وكبار الشخصيات المؤثرة في الرأي العام الإسلامي. وبرعت في ابتكار أساليب إرهابية فريدة لتحقيق أهدافها السياسية الخبيثة، حيث كانت هذه الجماعة المتطرفة تعاني من قلة العدد، الأمر الذي جعلها غير قادرة على خوض حروب تقليدية مكشوفة ضد خصومها. لذلك، اعتمدت بشكل أساسي على فرق الاغتيال المدربة لاستهداف القادة المؤثرين وأصحاب الرأي، بهدف إجبارهم على الرضوخ لمطالبها السياسية التعسفية. وجريمة الحرابة الشنيعة، التي يعاقب عليها الدين الإسلامي الحنيف بأشد العقوبات، ما هي إلا ضرب من ضروب الإرهاب البشع، وقد وصفها الله تعالى بالإفساد العظيم في الأرض. وفي العصور الوسطى المظلمة، شهدت قارة أوروبا أشكالاً متنوعة من الإرهاب المقيت، تجسدت في عصابات إجرامية كان النبلاء يستأجرونها لزعزعة الأمن وإثارة الفوضى في إقطاعيات خصومهم اللدودين. كما اعتُبرت أعمال القرصنة البحرية جريمة خطيرة ضد قانون الشعوب والأعراف الدولية، مما أدى إلى انعقاد الاختصاص القضائي لمحاكمة قراصنة البحار لكل دول العالم، حتى لو لم تقع الجريمة في نطاقها الإقليمي المباشر، وذلك على أساس أن القرصنة تمثل جريمة ضد الإنسانية جمعاء. وبين إعلان باريس عام 1856 واتفاقية جنيف 1958، تم إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية الهامة لمواجهة العنف الإرهابي المتفشي في أعالي البحار. وبناءً على هذا الأساس، يرى بعض المحللين أن خطف الطائرات المدنية هو البديل العصري لأعمال القرصنة البحرية، وهو موضوع تناولته اتفاقية لاهاي المعروفة بـ "اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني". ومع نشوء الدولة القومية الحديثة منذ القرن السادس عشر، تفاقمت خطورة الإرهاب وتزايدت آثاره المدمرة، وشهدت أوروبا خلال هذه الفترة تطوراً ملحوظاً في فهم هذه الظاهرة المعقدة. كما حرص الاستعمار الغربي البغيض على توظيف الإرهاب بشكل ممنهج في الدول التي خضعت لسيطرته واستعماره، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي ازدهرت ونمت في ظل الاحتلال البريطاني. وقد استغلت القوى الكبرى الجماعات الإرهابية المتطرفة لتحقيق مصالحها الخبيثة في الصراعات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، كما تجلى ذلك في دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي السابق. وتلعب عوامل سياسية متعددة مثل القمع والاستبداد السياسي، وعوامل اقتصادية كالفقر المدقع والبطالة المستشرية، بالإضافة إلى عوامل اجتماعية وثقافية كالتهميش الديني أو العرقي، دوراً كبيراً في تغذية الإرهاب وتوسيع نطاقه، فضلاً عن الدور الذي يلعبه الاستعمار والتدخل الخارجي في زرع الفوضى والفتن. ولا شك أن الإرهاب ليس ظاهرة منعزلة، بل هو نتاج تفاعل معقد بين السياسات الداخلية الفاشلة (كالفساد المستشري والقمع الممنهج) والتدخلات الخارجية السافرة. الإرهاب يمثل أداة فتاكة من الأدوات التي تستخدمها القوى الاستعمارية لضرب الاستقرار والنمو في الدول النامية والضعيفة، وإحكام قبضتها عليها بهدف استغلال مواردها وثرواتها الطبيعية. هذه الأداة الخبيثة خبرتها الدول الغربية الاستعمارية جيداً، ووظفتها ببراعة لخدمة مصالحها وتعزيز هيمنتها ونفوذها في العالم. يُظهر التأريخ الطويل للإرهاب بجلاء أنه ليس وليد العصر الحديث، بل هو أداة وحشية استُخدمت عبر العصور والأزمنة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية محددة. وعلى الرغم من تطور أساليبه ووسائله الإجرامية، يبقى جوهره واحداً: العنف الممنهج الهادف إلى زرع الرعب في قلوب الآمنين وفرض الهيمنة والسيطرة بالقوة الغاشمة. وفي عالمنا المعاصر، حيث تتداخل العوامل المحلية والدولية المعقدة، تبرز الحاجة الملحة إلى مواجهة شاملة للإرهاب، لا تقتصر على الجانب الأمني والعسكري فحسب، بل تشمل أيضاً معالجة جذوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقطع الطريق على أي تدخل خارجي يسعى لإذكاء نيرانه وتأجيج صراعاته. فالتصدي للإرهاب مسؤولية جماعية مشتركة، تبدأ باستعادة العدل والكرامة المسلوبة للإنسان، وتنتهي بإفساح المجال للشعوب كي تبني مستقبلها الزاهر بعيداً عن الاستغلال والظلم والفوضى.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة