الركود العلمي العربي- وهم التفوق والبحث عن الحلول
المؤلف: حمود أبو طالب08.20.2025

في خضم الإحساس بالضعف والانكسار الذي يسيطر على العقل العربي أمام التطورات الهائلة التي حققتها الدول الغربية، ومنافستها الشرسة من قبل قوى صاعدة في الشرق، يلوذ العرب بالحلول المؤقتة والمهدئات التي تغيبهم عن الواقع المرير، عوضاً عن البحث الجاد عن حلول جذرية تنهض بهم من وهدتهم وتقرب المسافة بينهم وبين الأمم الأخرى. يتغنون بأمجاد علماء مضوا منذ عصور، ويورثون أجيالهم فكرة المؤامرة التي تحاك ضدهم لمنعهم من التقدم، متناسين أن الآخرين وصلوا إلى ما وصلوا إليه بفضل إيمانهم الراسخ بأهمية "البحث العلمي والتطوير والابتكار"، وتسخير كافة الطاقات والموارد لتحقيق هذه الغاية السامية كأولوية قصوى لا تعلوها أولوية.
في شهر يونيو المنصرم، أعلنت وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا البريطانية عن تخصيص مبلغ ضخم قدره 86 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 116 مليار دولار)، أي ما يتراوح بين 2.9% و3% من الناتج المحلي الإجمالي، لدعم البحث العلمي والتطوير. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم المذهل إلى أكثر من 22.5 مليار جنيه إسترليني سنوياً بحلول عام 2029. هذا الأمر يدفعنا للتساؤل عن النسب المخصصة لهذا الغرض في دول أخرى حول العالم؛ لنجد أن كوريا الجنوبية تتصدر القائمة بنسبة 5%، تليها الولايات المتحدة بنسبة 3.59%، ثم اليابان والسويد بنسبة 3.41%، والصين بنسبة 2.56%. ولكن من هي الدولة التي تتربع على عرش الإنفاق على البحث العلمي على مستوى العالم؟ إنها إسرائيل يا سادة، نعم إسرائيل دولة الاحتلال ذات العدد السكاني المحدود التي يواجهها العرب بكل ما أوتوا من قوة، فهي تستثمر 6.3% من ناتجها المحلي في البحث العلمي والابتكار، وفقاً لتقارير عام 2023، إيماناً منها بأن التفوق لن يتحقق إلا من خلال ذلك. بينما لو بحثنا عن الميزانيات المخصصة لهذا المجال الحيوي في معظم الدول العربية، لوجدناها باعثة على الخجل، بل إن مصطلح البحث العلمي قد يكون غائباً تماماً في قاموس بعضها.
على الرغم من هذه الصورة القاتمة للوضع في عالمنا العربي، إلا أنني أشعر بفيض من السعادة والاعتزاز بما تشهده المملكة العربية السعودية من اهتمام بالغ وحقيقي بهذا المجال، باعتباره أحد الركائز الأساسية لرؤية 2030 الطموحة. فالمملكة تتصدر الدول العربية، وأصبحت تنافس بقوة على المستويين الإقليمي والدولي في العديد من مجالات البحث العلمي، بفضل الإنفاق المالي المتزايد بشكل ملحوظ عاماً بعد عام. ومع ذلك، فإن طموحنا يتجاوز ذلك بكثير، ونتطلع إلى أن يصبح البحث والابتكار الشغل الشاغل للجامعات والأكاديميات والمؤسسات المتخصصة في كافة المجالات، ففي ذلك يكمن سر النجاح والتفوق والمنعة والريادة.
لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تحول دون تحقيق أمة لطموحاتها، إذا عملت بجد وإخلاص وتفان وإيمان بقدراتها الكامنة.