التعصب الرياضي- جذور عميقة ومستقبل ينتظر التغيير
المؤلف: علي مكي08.05.2025

في فلك ذكرياتي، قبل أعوام ليست بالبعيدة، وتحديدًا في الحي الذي احتضن شقتي المتواضعة، كانت جدران المنازل الشامخة والمنشآت الحكومية القريبة مسرحًا لعبارات التعصب البغيضة. تلك العبارات كانت بمثابة ترانيم تمجد الأندية المحبوبة، وفي المقابل، كانت سهامًا جارحة تحط من قيمة الأندية المتنافسة. حتى صناديق القمامة، ويا لها من مفارقة، تحولت بأيدي صبية صغار، لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة ربيعًا، إلى معاقل ومقرات للأندية الكروية! أحدهم، وهو مشجع متعصب لنادي الاتحاد، خطّ على جانب صندوق القمامة عبارة نابضة بالكراهية: «هنا بيت الهلال»، ليثور الآخر، وهو مشجع هلالي، وينتقم بضراوة، متوجهًا إلى صندوق قمامة يقع بالقرب من منزل الاتحادي، ويكتب بخط أكثر وضوحًا: «بيت الاتحاد»! وفي رحاب المدرسة، وأيضًا في التجمعات التي تعقب صلاة المغرب بالقرب من المساجد، كانت النقاشات، أو بالأحرى المناوشات الكلامية الصاخبة، تجتاح المعلمين والطلاب والمصلين، محورها كرة القدم. وغالبًا ما كانت الآراء التي تتلقاها مشبعة بالتعصب الأعمى. بل إنني شخصيًا، قبل وأثناء وبعد مباريات المنتخب الرسمية، سمعت تعليقات منحازة بشكل سافر لخدمة مصالح لاعبي الفرق التي يشجعها المتحدثون!
أتذكر جيدًا أنه في أحد المواسم الرياضية الغابرة، بعد انتهاء المنافسات المحلية، ومع اقتراب موعد انطلاق تصفيات كأس العالم، حاولت جاهدًا أن أنزع فتيل التعصب من نفوس أطفال الحي، وأن أنقلهم إلى الأجواء الحماسية لكأس العالم والمهمات الوطنية الجسام التي تنتظر منتخبنا. تجولنا في أرجاء العديد من المحلات الرياضية لشراء قمصان جديدة للمنتخب، ولكن عبثًا، فلم نجد في معظمها ما نبحث عنه. وفي اثنين منها فقط، عثرنا على نوعين من القمصان القديمة التي سبق لنا شراؤها قبل سنوات. استفسرت عن القمصان الجديدة، فأجاب البائع بأسف: «المستودعات مليئة بها، ولكن الإقبال على قمصان المنتخب ضعيف جدًا، بل يكاد يكون معدومًا.. الأهلي والهلال هما الأكثر طلبًا ورواجًا!»
لا أعتقد أن هذا المقال يستدعي الغوص في التحليلات التي كانت تصاحب مباريات المنتخب في الماضي والحاضر، ولا حتى التمثيل بالكتابات الرياضية السائدة. لست بحاجة إلى مثل هذه الإشارات لإثبات حقيقة دامغة، وهي أننا نشجع المنتخب بقلوب ملونة، وأن انتماءنا لفريقنا الوطني ليس انتماءً موحدًا، بل هو، مع الأسف، مجموعة من الانتماءات المتعددة، بعدد ألوان الأندية، وربما بعدد لاعبيها.
في أعماق أرض عقليتنا الجمعية، والعقلية الرياضية الكروية على وجه الخصوص، ومنذ أزمنة مديدة، يضرب التعصب بجذوره العميقة والراسخة، مما يجعل اقتلاعه مهمة شاقة وعسيرة، ولا يمكن تحقيقه بأسلحة بدائية كالمقالات العابرة أو المواعظ المنبرية أو الحوارات الفضائية السطحية!
لذا، أجدد القول وأكرره: من أجل هؤلاء الأطفال الذين يولدون الآن وسيولدون في المستقبل القريب، من أجل غد مشرق ومزدهر، ينتظرنا عمل مضن وطويل الأمد، يقوم على دراسات علمية ممنهجة بأهداف محددة وبعيدة المدى، تمامًا كما فعل ويفعل صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبدالله في أكاديمية النادي الأهلي. إن الضرورة الملحة تقتضي الإسراع في استنساخ هذه التجربة الخلاقة في جميع المناطق والمدن؛ لأن تغيير عقلية اللاعب هو الخطوة الأولى والأهم، وبالتالي ستتغير عقلية الإداري والمشجع والكاتب. وهذا ما أعتقد أن أكاديمية النادي الأهلي قد أنشئت من أجله، حيث صناعة العقل وصناعة اللاعب هما شرطان أساسيان لا ينفصلان لتحقيق نهضة كروية حقيقية، وكرة قدم حضارية راقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
كل الأمنيات القلبية لفريقنا الوطني بالتوفيق والنجاح في تجاوز ما تبقى من منافسات تصفيات مونديال روسيا 2018 بنصر وعزيمة.
أتذكر جيدًا أنه في أحد المواسم الرياضية الغابرة، بعد انتهاء المنافسات المحلية، ومع اقتراب موعد انطلاق تصفيات كأس العالم، حاولت جاهدًا أن أنزع فتيل التعصب من نفوس أطفال الحي، وأن أنقلهم إلى الأجواء الحماسية لكأس العالم والمهمات الوطنية الجسام التي تنتظر منتخبنا. تجولنا في أرجاء العديد من المحلات الرياضية لشراء قمصان جديدة للمنتخب، ولكن عبثًا، فلم نجد في معظمها ما نبحث عنه. وفي اثنين منها فقط، عثرنا على نوعين من القمصان القديمة التي سبق لنا شراؤها قبل سنوات. استفسرت عن القمصان الجديدة، فأجاب البائع بأسف: «المستودعات مليئة بها، ولكن الإقبال على قمصان المنتخب ضعيف جدًا، بل يكاد يكون معدومًا.. الأهلي والهلال هما الأكثر طلبًا ورواجًا!»
لا أعتقد أن هذا المقال يستدعي الغوص في التحليلات التي كانت تصاحب مباريات المنتخب في الماضي والحاضر، ولا حتى التمثيل بالكتابات الرياضية السائدة. لست بحاجة إلى مثل هذه الإشارات لإثبات حقيقة دامغة، وهي أننا نشجع المنتخب بقلوب ملونة، وأن انتماءنا لفريقنا الوطني ليس انتماءً موحدًا، بل هو، مع الأسف، مجموعة من الانتماءات المتعددة، بعدد ألوان الأندية، وربما بعدد لاعبيها.
في أعماق أرض عقليتنا الجمعية، والعقلية الرياضية الكروية على وجه الخصوص، ومنذ أزمنة مديدة، يضرب التعصب بجذوره العميقة والراسخة، مما يجعل اقتلاعه مهمة شاقة وعسيرة، ولا يمكن تحقيقه بأسلحة بدائية كالمقالات العابرة أو المواعظ المنبرية أو الحوارات الفضائية السطحية!
لذا، أجدد القول وأكرره: من أجل هؤلاء الأطفال الذين يولدون الآن وسيولدون في المستقبل القريب، من أجل غد مشرق ومزدهر، ينتظرنا عمل مضن وطويل الأمد، يقوم على دراسات علمية ممنهجة بأهداف محددة وبعيدة المدى، تمامًا كما فعل ويفعل صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبدالله في أكاديمية النادي الأهلي. إن الضرورة الملحة تقتضي الإسراع في استنساخ هذه التجربة الخلاقة في جميع المناطق والمدن؛ لأن تغيير عقلية اللاعب هو الخطوة الأولى والأهم، وبالتالي ستتغير عقلية الإداري والمشجع والكاتب. وهذا ما أعتقد أن أكاديمية النادي الأهلي قد أنشئت من أجله، حيث صناعة العقل وصناعة اللاعب هما شرطان أساسيان لا ينفصلان لتحقيق نهضة كروية حقيقية، وكرة قدم حضارية راقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
كل الأمنيات القلبية لفريقنا الوطني بالتوفيق والنجاح في تجاوز ما تبقى من منافسات تصفيات مونديال روسيا 2018 بنصر وعزيمة.