الخرج- ذكريات الماضي الجميل وأحلام الحاضر المفقود

المؤلف: خالد الوابل08.05.2025
الخرج- ذكريات الماضي الجميل وأحلام الحاضر المفقود

في هذه السطور، سأسعى جاهداً للغوص في عبق الماضي القريب لمدينتي الحبيبة الخرج، مستعيناً بذاكرتي الضعيفة. وأستسمح رفاقي الأعزاء في مجموعة "زمن الخرج الجميل" أن أستلهم من اسمهم عنواناً لمقالتي هذه.

إن ماضي الخرج لا يختلف البتة عن ماضي سائر مدن مملكتنا الغالية، وبالأخص في الفترة الممتدة من أواخر الستينات وحتى نهاية السبعينات، أو مع مطلع الطفرة النفطية الأولى التي انطلقت تحديداً في عام 1975.

إلا أن ما يميز الخرج آنذاك، وبشكل لافت، هو كونها بقعة جاذبة لأبناء الوطن قاطبة، والذين استوطنوا فيها في نهاية المطاف. ويعود الفضل في ذلك إلى توافر فرص العمل الوفيرة، مقارنة ببقية مدن المنطقة الوسطى. ولهذا السبب تحديداً، يشكل مجتمع الخرج فسيفساء بديعة تتألف من مختلف مناطق المملكة، وهي سمة تمنحه تفوقاً وتميزاً على سائر مدن نجد على وجه الخصوص.

ويبدو أن الحنين إلى الماضي هو غريزة بشرية أصيلة، فالكل يشتاق إلى أيامه الخوالي، بحلوها ومرها على حد سواء.

ولكن، ويا للأسف، لم يكن حاضرنا امتداداً طبيعياً أو متسقاً مع ماضينا الزاهر. فقد طرأت وتبلورت العديد من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أوجدت فجوة عميقة أو حلقة مفقودة بين الماضي والحاضر. لم نعد كما كنا في سابق عهدنا، وتحديداً على صعيد السلوك الفردي. فماضينا، من ناحية إنتاجية الفرد والجدية في التعلم والمشاركة الاجتماعية، يفوق حاضرنا أشواطاً بعيدة!

في ماضي الخرج المشرق، كانت "كل" المهن والحرف يقوم بها أبناء البلد من السعوديين. وأنا هنا أشدد بقوة على كلمة "كل"، لأنه لم يكن هنالك بالفعل أي "وافد" إلا بعض الإخوة العرب في قطاعي التعليم والطب.

فالكهربائي والسباك والمزارع والبائع.. جميعهم كانوا من أبناء الوطن الأوفياء. وهذا يعطينا دلالة جلية وواضحة على أن وسم المواطن اليوم بالكسل أو الاتكالية هو أمر طارئ ودخيل علينا، وليس صفة متأصلة فرضتها علينا ظروف فتح الأبواب على مصراعيها للعمالة الوافدة الرخيصة وغير المؤهلة، ولسوق عمل عشوائي وغير منظم إطلاقاً.

فقد كان هناك تنظيم دقيق لساعات العمل في قطاع التجزئة تلقائياً، حيث يبدأ العمل صباحاً إلى صلاة الظهر، ثم يعود من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء. ولهذا، كان هناك توافق وانسجام بين العمل والواجبات الاجتماعية، الأمر الذي جعل المواطن منافساً وقادراً، وهذا ما نفتقده بشدة اليوم في سوق العمل.

أما التعليم، فتلك قصة أخرى حافلة بالإنجازات. فالموسم الدراسي كان يعج بالأنشطة المختلفة، ولم تكن المدرسة مخصصة لإعطاء الحصص الدراسية فحسب، وإنما كانت منارة وضاءة للعمل اللاصفي. فكانت هنالك جمعيات النشاط المتنوعة، كالرسم والمسرح والنشيد والمكتبة والمسابقات، والتي كانت تعمل على صقل مواهب الطلاب وتنمية قدراتهم الإبداعية. بالإضافة إلى النشاط الاجتماعي المتمثل في "أسبوع المرور وأسبوع الشجرة وأسبوع النظافة"، والنشاط الرياضي ودوري المدارس. وأتذكر هنا بكل فخر واعتزاز مدرسة اليرموك وثمامة وموسى بن نصير.

وهذا تحديداً ما نفتقده اليوم في مدارسنا، فلا يوجد أي نشاط يذكر، ولا توجد تلك الجدية والاجتهاد في التعليم!

وللأندية الرياضية، كنادي الشعلة والكوكب، دور بارز ومؤثر في الشأن الاجتماعي بشكل عام. فقد كانت بحق أندية رياضية اجتماعية ثقافية شاملة.

فلم يقتصر نشاط النادي على كرة القدم فحسب، وإنما كانت هناك أنشطة متنوعة للألعاب الجماعية والفردية، إضافة إلى النشاط الثقافي الغني والمتنوع، كالمسرح والسينما والحفلات الغنائية والتمثيل، والتي كانت تقام مع نهاية كل موسم رياضي، فضلاً عن النشاط الثقافي المتميز، وخاصة في شهر رمضان المبارك.

وأخيراً، ربما لهذا السبب تحديداً يحن جيلنا إلى ماضيه أكثر من غيره، وكم كنت أتمنى من أعماق قلبي أن يكون حاضرنا امتداداً طبيعياً وتطويراً لماضينا المشرق.

تغريدة:

"الخرج".. وأهله عبارة عن قنّينة عطر مخلّط نتج عنه رائحة من أطيب الروائح الزكية التي انتشرت وعمت أرجاء هذه البلاد.. يحيى العطيان

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة