الغرب والشرق- دروس ثقافية واقتصادية من تجارب مختلفة

المؤلف: عبير الفوزان08.05.2025
الغرب والشرق- دروس ثقافية واقتصادية من تجارب مختلفة

بالنسبة لنا، يبدو الغرب أقرب بشكل ملحوظ إلى منطقة الشرق الأوسط مقارنة بالشرق الأقصى. حتى أولئك الذين ينتقدون الولايات المتحدة الأمريكية ونتائجها، سيشعرون بالضياع في مدينة كاواساكي اليابانية أكثر مما يشعرون به أثناء تجولهم في مدينة نبراسكا الأمريكية الهادئة.

من خلال الجمع بين التوجه نحو الغرب والتوجه نحو الشرق، نكون قد حققنا أفضل ما في العالمين، بالإضافة إلى حفاظنا على هويتنا الشرق أوسطية الفريدة. إن تبني القيم الغربية ليس عيبًا أو شيئًا يجب أن نتجنبه بخوف، وبالمثل، فإن الشرق، ولا سيما اليابان بتاريخها العريق وثقافتها الأصيلة، وتجربتها الاقتصادية الملهمة بعد الحرب العالمية الثانية، يمثل مصدرًا ثريًا للفوائد الثقافية والاقتصادية والسياسية.

عند زيارة اليابان، من الضروري ألا نركز فقط على الاختلافات الظاهرية، أو على المعابد والبخور المنتشرة في كل مكان، أو على فلسفاتهم المتعلقة بالموت والحياة وتناسخ الأرواح. مثل هذا التركيز المفرط قد يعيق سعينا لاكتشاف ثقافة مجتمع يميل بطبيعته إلى الانغلاق على الآخرين، ويرفض استقبال المهاجرين، وقد لا تجد فيه الكثير من الدفء في العلاقات الإنسانية، إذ يندر أن تجد من يصافحك أو يربت على كتفك. ومع ذلك، فإن التوجه نحو الشرق يحمل في طياته فوائد جمة لا يمكن تجاهلها.

قد تبدو الثقافة اليابانية صادمة لبعض الأشخاص الذين ليسوا على دراية بما يسمى "الثقافة الثالثة"، حتى وإن كنا نحترم أصالتها وعراقتها. فهي تتعارض في جوانب عديدة مع معتقداتنا وقناعاتنا كمسلمين. بالإضافة إلى ذلك، فإن ميل اليابانيين إلى الانعزال يجعل عملية التوجه نحو الشرق تحديًا حقيقيًا. فالشخص الياباني لا يهتم بأن تتبنى أفكاره، حتى وإن كانت هذه الأفكار تمثل لك طوق النجاة، لأنه ببساطة لن يقدم لك النصيحة أو يجادلك، بل سيتصرف وفقًا لقناعته الخاصة. خير مثال على ذلك ما فعله صاحب أحد المطاعم في طوكيو عندما كان يستضيف وفدًا سعوديًا، حيث سقطت حبة أرز من أحد الضيوف أثناء تناوله الطعام. لم يتردد المضيف الياباني في التقاطها وأكلها بهدوء، تجسيدًا لقناعته الراسخة بضرورة الحفاظ على النعمة وعدم إهدارها!

لطالما قيل لنا أنه لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم، ولكن يبدو أن هذه النظرية قد تتغير مع الانفتاح على الشرق والغرب على حد سواء. فجميع "الأعداء" الذين نستفيد منهم يبقون في خانة الأصدقاء، بغض النظر عن اختلافاتنا في الدين أو الثقافة. ربما نكتشف قواسم مشتركة تجمعنا معهم، حتى لو كانت مجرد حبة أرز، أو درسًا بليغًا في الحفاظ على النعمة وتقديرها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة