النبي محمد صلى الله عليه وسلم- التنوير بالأخلاق ومواجهة التحديات

المؤلف: علي بن محمد الرباعي08.05.2025
النبي محمد صلى الله عليه وسلم- التنوير بالأخلاق ومواجهة التحديات

لقد أرسى النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعائم مدرسة التنوير بأفعاله النبيلة وأخلاقه الرفيعة، مع تقديرنا الكامل للروايات المنقولة رغم ما شابها من ضعف واختلاق. لقد تحمل الرسول الكريم ثمناً باهظاً جراء هذا التنوير، حيث تعرضت حياته الشريفة للخطر الداهم على أيدي المشركين في مكة المكرمة، وكذلك من قبل اليهود والمنافقين في المدينة المنورة. وعندما استشعر النبي المصطفى هذا الخطر المحدق، تساءل عن الأسباب الكامنة وراء هذا العداء الشديد، فجاءه الجواب شافياً من ورقة بن نوفل الذي قال له: "لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثل ما جئتَ به إلا ناصبوه العداء".

إن كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية يرى في عاداته وتقاليده إرثاً مقدساً لا يمكن المساس به، مع العلم اليقين بأن هذه العادات والتقاليد تتضمن جوانب إيجابية سامية ترتقي بالإنسان، وجوانب سلبية تتنافى مع القيم الإنسانية النبيلة. إلا أن المجتمع التقليدي غالباً لا يسمح لأي فرد، كائناً من كان، أن يزعزع قناعاته الراسخة رسوخ الجبال الشامخة، أو أن يسخر من عاداته وتقاليده الموروثة جيلاً بعد جيل، أو أن ينتقص من شأنها وقيمتها، مهما احتوت هذه العادات والتقاليد من ظلامية وجهل وظلم فادح. ولذا كان كفار مكة يرددون باستمرار: "محمد يسفه أحلامكم، ويسخر من آلهتكم".

وإذا كان مقام النبوة السامي عرضة للخطر الشديد بسبب حمله عبء تنوير البشرية جمعاء، وإخراج الناس من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والحق، فإن من يأتي بعده من العلماء والمفكرين والفلاسفة، وهم دون النبي الكريم مقاماً ومنزلة، سيكونون أشد عرضة للعقوبات والتنكيل. وربما تضافرت قوى وسلطات عدة على النيل من رموز التنوير عبر العصور المختلفة، وذلك بالقتل والصلب والسجن وإحراق الكتب والمؤلفات. ولم يكن هذا الأمر مقتصراً على العرب والمسلمين فقط، بل حتى في مجتمعات الغرب قبل عصر النهضة تعرض رموز التنوير للاضطهاد والإيذاء الشديدين.

وإذا كان الأفراد من المفكرين والفلاسفة يمثلون أبرز نماذج الفداء والتضحية في سبيل تحقيق مشروعهم التنويري العظيم، فإن الدول والشعوب أيضاً قد يطالها ما طال هؤلاء الرموز من الأذى والضرر. وربما لم تكن بلادنا مستهدفة بهذه القسوة التي نشهدها في هذه الأيام إلا عندما تبنت الدولة الخطاب الديني المعتدل والمنفتح. وذلك لأن الظلاميين والمتشددين يميلون دائماً إلى التشدد والتطرف من أجل التحجير على حركة المجتمع الطبيعية وتطوره، وذلك باعتساف وتفسير النصوص الدينية التي جاءت في الأصل رحمة للعالمين وهداية للناس أجمعين.

ولستُ هنا في مقام النقمة على من يتمسك بدينه الحنيف ويُضيّق على نفسه بتوسيع دائرة الممنوعات وتقليص المباحات، فذلك شأنه وحده. فالكثير من أفراد مجتمعنا هم أهل خير وصلاح ويريدون الخير بالتعبد والتدين. وإنما نخشى من أولئك الذين يريدون أن يكونوا أوصياء علينا بالقوة والإكراه، وأن يلزمونا بأفكار دخيلة وقوالب جاهزة لا تناسبنا، وأن يحيلوا فهمهم الخاص للنص الديني إلى سوط يجلدون به الأبرياء والمساكين، ولن أقول السذج والبسطاء.

ويظل الأخطر بيننا، من وجهة نظري المتواضعة، هو ذلك الشخص المزدوج الشخصية، ذو الوجهين المتناقضين، الذي حذرنا منه النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فقال: "إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه". هذا ما لدي، ودمتم سالمين غانمين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة