حماس، السلام الفلسطيني- دروس من الحديبية وغزة

المؤلف: بشرى فيصل السباعي08.20.2025
حماس، السلام الفلسطيني- دروس من الحديبية وغزة
أعلنت حركة حماس رفضها القاطع لمبادرة الجامعة العربية، التي تدعو إلى تسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية والتخلي عن سيطرتها على قطاع غزة. تعتبر حماس هذا الطلب شرطًا تعجيزيًا وضعه المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي المقابل، صرّح نتنياهو بأنه لن يوقف الحرب والحصار المفروض على غزة إلا بتخلي حماس عن ترسانتها العسكرية. وفي سياق متصل، تجاهل المؤيدون المتحمسون لحماس، الذين يقيمون خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذه المطالبة العربية التي تعكس إرادة الغالبية العظمى من سكان غزة، كما يتضح من تفاعلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وعوضاً عن ذلك، شنّع هؤلاء المؤيدون على أي دعوة لوقف الصراع المسلح ضد إسرائيل، مدفوعين بغرورهم وكبريائهم المتضخم، حيث يرون في إسرائيل تهديدًا وجوديًا. ولهذا السبب، فإنهم يشعرون بنشوة عند تنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل ولا يبالون بالثمن الباهظ الذي يدفعه سكان غزة من دمار وإبادة. يذكر التاريخ الإسلامي قصة مشابهة لهذا الوضع، وهي معاهدة صلح الحديبية التي أبرمها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة. وقد وصف القرآن الكريم هذه المعاهدة بأنها "فتح مبين". وعلى الرغم من ذلك، كره المسلمون هذه المعاهدة، حيث اعتبرها عمر بن الخطاب تنازلاً مهينًا أمام المشركين. ومن بين شروط المعاهدة التي أثارت استياء المسلمين: وقف القتال لمدة عشر سنوات، وإعادة أي شخص يأتي إلى محمد من قريش، وعدم إعادة أي شخص يذهب إلى قريش ممن مع محمد. ومع ذلك، فإن القائد الحكيم يتجاوز ممانعة كبرياء الناس ويعقد معاهدة سلام تحقق مصلحة شعبه. وقد أثمرت معاهدة صلح الحديبية نتائج إيجابية، حيث دخل الإسلام بعد المعاهدة أضعاف من دخلوا فيه قبلها، مما مكّن المسلمين من فتح مكة. والدرس المستفاد من معاهدة صلح الحديبية هو أن السلمية قد تحقق مكاسب تفوق مكاسب الحرب، خاصة عندما يكون المسلمون هم الطرف الأضعف. لقد جرّب الفلسطينيون الصراع المسلح لعقود طويلة، ولم يجنوا منه سوى تدمير مخيماتهم ومدنهم وإبادة شعبهم دون تحقيق أي مكاسب حقيقية. والآن، هناك فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب سلمية من خلال اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية، بشرط أن تكون السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وليس حماس. فمن حق الفلسطينيين أن يعيشوا حياة آمنة ومزدهرة، وأن يحققوا إنجازات علمية وعملية، وألا يتعرضوا للدمار الشامل بشكل دوري ردًا على عمليات الجماعات المسلحة. وقد أفتى فقهاء غزة بأنه ليس على الفلسطينيين جهاد حاليًا، قياسًا على الفترة المكية، وحرّموا العمليات ضد إسرائيل بسبب ما تجلبه على الفلسطينيين من دمار وإبادة. وحماس تعتقد أن ورقتها الرابحة هي تعريض الفلسطينيين للمجازر بعملياتها للضغط على العالم عاطفيًا للتفاوض معها. وقد صرّح وزير داخلية حماس، فتحي حماد، قائلاً: "نحن نشجع إسرائيل على القصف لأنها تزيد التعاطف والترويج العالمي لنا، فكلما قصفونا ازددنا اتساعًا". وهذا اعتراف صريح بأن سلاح حماس ليس للدفاع عن الفلسطينيين، وإنما لاستجلاب المجازر عليهم من أجل الدعاية. وقد استنكر مفتي غزة، الدكتور سلمان الداية، هذه السياسة. والحقيقة أن الورقة الرابحة للفلسطينيين هي حصولهم على اعتراف دولي يمكنهم من خلاله الاستعانة بالهيئات الدولية لإزالة المظالم عنهم. والدول تمتنع عن تأييد الفلسطينيين والدفاع عنهم بحجة عمليات حماس والجماعات المسلحة، ومنعت إسرائيل الهيئات الدولية من العمل في غزة بزعم وجود علاقات لمنسوبيها بحماس. إذًا، فالشعب الفلسطيني لا يستفيد شيئًا من سلاح حماس، بل هو متضرر منه. وللتذكير، الإسبان حرروا بلدهم بالحرب بعد 800 سنة سلام عندما صاروا الأقوى.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة