متى تنتهي ثقافة التعصب الرياضي والإقصاء؟

المؤلف: ليلى الجابر08.20.2025
متى تنتهي ثقافة التعصب الرياضي والإقصاء؟

إلى متى ستستمر عقلية "إما أن تكون معي قلباً وقالباً أو أنت ضدي تماماً" في المجال الرياضي؟

من الأمور المسلم بها أن تتغاير وجهات النظر وتتضارب الأفكار، فذلك يشكل جوهر المنافسة الرياضية وروحها المفعمة بالحيوية والإثارة.

لكن الأمر غير المقبول والمثير للقلق هو التفاقم الملحوظ لثقافة الإذعان التام، حيث يُطلب منك إما الموافقة المطلقة والتصفيق المستمر، أو تُصنف كعدو مستحق للإقصاء والاتهام بالخيانة!!

الانتقادات التي أثارها الإعلامي محمد نجيب مؤخراً احتلت صدارة النقاش الرياضي، وتحول رأيه المتمرس في نظر البعض إلى عداء شخصي، وخاصة لدى أولئك الذين لا يتقبلون النقد إلا إذا كان يتماشى مع أهوائهم.

فريق من الناس رأى في طرحه تحليلاً شجاعاً يعتمد على ملاحظات فنية دقيقة وتنظيمية، بينما اعتبره آخرون تلميحاً مهيناً يتجاوز حدود النقد البناء ليصل إلى التشكيك في مصداقية المنافسات.

بين النقد البناء والإساءة الشخصية.. أين يجب أن نضع خط الفصل؟

هنا يتوجب علينا أن نحدد موقفاً واضحاً بعيداً عن التعصب الأعمى. فإذا كان ما قاله محمد نجيب يندرج تحت مظلة النقد المهني الموضوعي، فهو حق مشروع ومكفول لكل إعلامي، أما إذا كان الهدف هو الإساءة أو التشكيك في النوايا الوطنية أو المؤسسات الرسمية، فهو تجاوز غير مقبول يجب مواجهته بالمنطق السليم والقانون.

لكن الأمر المؤسف حقاً هو ردة الفعل التي صدرت عن بعض الإعلاميين والجماهير الهلالية، الذين تعاملوا مع الموقف بعقلية الإقصاء والتهميش، وأطلقوا وابلاً من الشتائم والاتهامات بالخيانة والتهديدات، ليس فقط على من أدلى بالتصريح، بل على كل من وافقه الرأي أو حتى لم يعارضه بشكل علني وصريح!!

الناقد ليس خصماً.. والمشجع المتعقل لا ينغلق على رأيه

يجب ألا يتحول التعصب الرياضي إلى عداوات شخصية أو تصنيفات قسرية تسلب الآخرين حقهم الأصيل في التعبير عن آرائهم بحرية، فالناقد الذي يسلط الضوء على جوانب تحتاج إلى تحسين في إدارتك أو أداء لاعبيك، ليس بالضرورة شخصاً حاقداً أو مدفوعاً بأجندة خفية، بل قد يكون أكثر حرصاً على مصلحة النادي منك شخصياً.

هناك بون شاسع بين المشجع الواعي الذي يتقبل النقد بصدر رحب ويعتبره فرصة للنمو والتطور، والمشجع العاطفي الذي يرى في كل رأي مخالف خيانة عظمى وجريمة لا تغتفر.

هذه الطريقة في التفكير لا تقضي فقط على روح الحوار الرياضي البناء، بل تجعل الساحة الرياضية خالية من أي رأي حر ومستقل، وتدفع الجماهير إلى الانغماس في دوائر مغلقة من التشجيع الأعمى الذي لا يعترف بالمنطق أو العقلانية.

نطمح إلى رياضة راقية ومتحضرة.. لا إلى حشود صاخبة ومنفعلة

تشهد الرياضة السعودية في الوقت الراهن تطورات هائلة وقفزات نوعية على مستوى البنية التحتية والاحترافية والرؤية المستقبلية، ومن المخجل حقاً أن تشوه هذه الصورة المشرقة بسلوكيات جماهيرية متطرفة، تتجه مباشرة إلى استخدام لغة السب والتخوين عند أول بادرة اختلاف في وجهات النظر.

نعم، يحق للإعلامي أن ينتقد ويحلل

ويحق للمشجع أن يعبر عن رأيه ويرد باحترام..

لكن لا يحق لأي شخص أن يعتدي لفظياً أو أن يسيء الظن بنوايا الآخرين أو أن يتهم أبناء الوطن بالخيانة دون دليل قاطع.

فمتى نرتقي بمستوى ثقافتنا الرياضية؟

متى نتوقف عن تقسيم الساحة الرياضية إلى معسكرين متناحرين، أبيض وأسود؟ ومتى نتوقف عن إحراج كل صوت جريء لأنه ببساطة لم يقل ما كنا نتمنى سماعه؟ ومتى يصبح الاختلاف في الرأي قيمة مضافة تثري النقاش، لا تهمة جاهزة تستوجب العقاب؟

نحن بأمس الحاجة إلى رياضة أكثر وعياً ونضجاً، وأقل ضجيجاً وصخباً، وبيئة رياضية تحتضن النقد البناء وتدير الحوار باحترام متبادل، لا بصوت الغوغاء والتعصب المذموم الذي لا يقبل الآخر.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة